الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
أخذ الصوفية من هذا الخبر أن على المريد امتحان من أراد صحبته لا على جهة كشف العورات وتتبع السيئات [ص 546] لفقد العصمة بل خلق دون خلق وذنب دون ذنب والمؤمن رجاع والمنافق مدمن. جاء رجل إلى العارف يوسف العجمي فقال: أريد أن أدخل دائرتك لكن حتى تحلف لي بالطلاق أنك عارف باللّه فقال: الطلاق الثلاث يلزمني أني عارف باللّه وزيادة وهي التربية فما كل عارف مربي فأخذ عنه فالعالم يمتحن بالمسائل العلمية والصوفي يمتحن بالخصائل الخلقية. حكى القشيري أن الحيري دعاه رجل إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال: ليس لي حاجة بك وندمت فانصرف وعاد إليه وقال: احضر الساعة فوصل باب داره فقال له: كذلك وهكذا خمس مرات فقال: يا أستاذ إنما اختبرتك واعتذر إليه ومدحه فقال: تمدحني على خلق تجد مثله في الكلب فإنه إذا دعى حضر وإذا زجر انزجر. - (ك عن أنس) ابن مالك (السجزي) في الإبانة (عن أبي هريرة) قال ابن الجوزي في العلل وفيه إبراهيم بن الهيثم أو خليل بن دعلج ضعيف ورواه مسلم عن ابن سيرين من قوله. 2512 - (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي سبع لغات أو سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة أو غير ذلك على ما سلف تقريره وغلط أبو شامة من زعم أن المراد القراءات السبع وحكى الإجماع على خلافه - (حم ق 3 عن عمر) بن الخطاب -قال العلقمي وسببه كما في البخاري عن عمر قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن فذكره- 2513 - (إن هذا القرآن مأدبة اللّه) بضم الدال أشهر يعني مدعاته شبه القرآن بصنيع صنعه اللّه للناس لهم فيه خير ومنافع وهذا من تنزيل المعقول منزلة المحسوس قال الزمخشري: المأدبة مصدر بمنزلة الأدب وهو الدعاء إلى الطعام كالمعتبة بمعنى العتب وأما المأدبة فاسم للصنيع نفسه كالوكيرة والوليمة (فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم) تمامه عند الحاكم إن هذا القرآن حبل اللّه والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد اتلوه فإن اللّه يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف انتهى فاقتصار المصنف على بعضه وإن جاز لمثله تقصير. - (ك) في فضائل القرآن من حديث إبراهيم الهجرمي عن أبي الأحوص (عن) عبد اللّه (بن مسعود) قال الحاكم تفرد به صالح بن عمر عنه وهو صحيح وتعقبه الذهبي بأن صالحاً ثقة خرج له مسلم لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف انتهى. 2514 - (إن هذا المال) في الميل إليه وحرص النفوس عليه (خضر حلو) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي غض شهى يميل الطبع ولا يميل عنه كما لا تمل العين من النظر إلى الخضرة والفم من أكل الحلو وفي تشبيهه بالخضر إشارة إلى سرعة [ص 547] زواله إذ الأخضر أسرع الألوان تغيراً ولفظ رواية البخاري إن هذا المال خضرة حلوة قال الزركشي: نبه بتأنيث الخبر على تأنيث المبتدأ وتقديره إن صورة هذا المال أو التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة وقال ابن حجر: أنث الخبر لأن المراد الدنيا (فمن أخذه) ممن يدفعه (لحقه) لفظ رواية البخاري بسخاوة نفس أي بطيبها من غير حرص (بورك له فيها) أي بارك اللّه له في المأخوذ (ومن أخذه بإشراف) بكسر الهمزة وشين معجمة أي بطمع (نفس) أو مكتسباً له بطلب نفسه وحرصها عليه قال الزركشي: فالهاء راجعة إلى لفظ المال وإشراف النفس تطلعها للأخذ والعلو والغلو فيه (لم يبارك له) أي لم يبارك للأخذ (فيه) أي فيما أخذه (وكان) أي للآخذ (كالذي) أي كالحيوان الذي به الجوع الكالب بحيث (يأكل ولا يشبع) ويسمى جوع الكلب كلما ازاداد أكلاً ازداد جوعاً فكلما نال منه شيئاً ازدادت رغبته واستقل ما عنده ونظر إلى ما فوقه وإلى من فوقه (واليد العليا) بضم العين مقصوراً المنفقة أو المتعففة (خير من اليد السفلى) السائلة أو الآخذة أو العليا يد من تعفف عن السؤال والسفلى يد السائل وعليه فعلوها معنوي ومقصود الحديث أن الأخذ بسخاء نفس يحصل البركة في الرزق فإن الزهد يحصل خير الدارين. - (حم ق ت ن عن حكيم بن حزام) قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم ذكره فقلت والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك أبداً وظاهر صنيع المؤلف أن كلا من الكل روى الكل والأمر بخلافه فمسلم إنما رواه بدون قوله وإن اليد إلخ. 2515 - (إن هذا المال) كبقلة أو كفاكهة أو كروضة أو كشجرة متصفة بأنها (خضرة) في النظر (حلوة) في المذاق وكل من الوصفين ممال إليه على انفراده فكيف إذا اجتمعا فالتأنيث واقع على التشبيه أو نظر لما يشتمل عليه المال من أنواع زهرات الدنيا أو المعنى أن فائدة المال أو صورته أو التاء للمبالغة كعلامة وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان ولباس أهل الإيمان في الجنان (فمن أصابه) أي المال (بحق) أي بقدر حاجته من الحلال (بورك فيه) أي بارك اللّه له فيه (ورب متخوض) أي متسارع ومتصرف (فيما شاءت نفسه) أي فيما أحبته والتذت به (من مال اللّه ورسوله) قال الطيبي: كان الظاهر أن يقال ومن أصابه بغير حق ليس له إلا النار فعدل إلى ورب متخوض إيماء إلى قلة من يأخذه بحق والأكثر يتخوض فيه بغير حق ولذا قال في الأول خضرة حلوة أي مشتهاة وفي الثاني فيما شاءت نفسه (ليس له) جزاء (يوم القيامة إلا النار) أي دخولها وهو حكم مترتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال اللّه ورسوله فيكون مشعراً بالعلية قال الراغب: والخوض الشروع في الماء والمرور فيه ويستعار في الأمور وأكثر استعماله فيما يذم شرعاً - (حم ت عن خولة) بنت قيس - بفتح المعجمة - بن فهد بن قيس بن ثعلبة الأنصارية صحابية لها رواية وحديث. 2516 - (إن هذه الأخلاق) جمع خلق بضمتين أو بضم فسكون (من اللّه) أي في إرادته وبقضائه وتقديره في رواية إن هذه الأخلاق من اللّه وفي أخرى إن هذه الأخلاق منائح من اللّه (فمن أراد اللّه به خيراً) في الدنيا والآخرة (منحه) أي أعطاه (خلقاً حسناً) ليدر عليه من ذلك الخلق فعلاً حسناً جميلاً بهياً (ومن أراد به سوءاً منحه) خلقاً (سيئاً) بأن يقابله بضد ذلك بأن يجبله على ذلك في بطن أمه أو يصير له ملكة على الاقتدار بالتخلق به بحيث يحمل [ص 548] نفسه على التمرن عليه فيعتاده ويألفه وبه يتميز الخبيث من الطيب في هذه الدار فإذا غلب الخلق السيء على عبد كان مظهراً لخبث أفعاله التي هي عنوان شقاوته وبضده من غلب عليه الحسن. مر غير مرة الخلاف في أن الخلق هل هو جبلي لا يستطاع غيره أو يمكن اكتسابه وتقدم طريق الجمع والحاصل أن فرقة ذهبت إلى أنه من جنس الخلقة ولا يستطيع أحد تغييره عما جبل عليه وتعلق بظاهره هذا الخبر وأشباهه كالخبر الآتي فرغ اللّه من الخلق والخلق قال ومحال أن يقدر المخلوق على تغيير فعل الخالق وقال جمع: يمكن لأنه مأمور به ولو لم يكن لما أمر به وحقق آخرون أنه لا سبيل إلى تغير القوة التي هي السجية لكن جعل للإنسان سبيل إلى اكتسابها وإلا لبطلت فائدة المواعظ والوصايا والوعد والوعيد والأمر والنهي وإذا كان هذا ممكناً في بعض البهائم كالوحشي ينقل بالعادة إلى الناس فالآدمي أولى لكن الناس في غرائزهم مختلفون فبعضهم جبل جبلة سريعة القبول وبعضهم جبلته بطيئة القبول وبعضهم في الوسط وكل لا ينفك عن أثر القبول وإن قل. قال الراغب: ومن منع التغير رأساً اعتبر القوة نفسها وهو صحيح فإن النوى محال أن ينبت منه تفاحة ومن أجاز تغيره اعتبر إمكان نقل ما في القوة إلى الوجود وإفساده بإهماله وهذا صحيح. - (طس عن أبي هريرة) وضعفه المنذري وقال الهيثمي فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف ورواه العسكري وغيره عن أبي المنهال وزاد بيان السبب وهو أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم مرّ برجل له عكزة فلم يذبح له شيئاً ومر بامرأة لها شويهات فذبحت له فقال ذلك. 2517 - (إن هذه النار) المشار إليه النار التي يخشى انتشارها (إنما هي عدوّ لكم) يا بني آدم فإن قيل ما معنى قصرها على العداوة وكثير من المنافع مربوط بها فالجواب أن هذا بطريق الادعاء مبالغة في التحذير عن ابقائها (فإذا نمتم) أي أردتم النوم (فأطفؤها عنكم) المراد به إسكانها بحيث يؤمن اضرارها والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي متجاوز عنكم. - (ق) في الاستئذان (ه) في الأدب كلهم (عن أبي موسى) الأشعري قال احترق بيت في المدينة على أهله في ليلة فحدث به النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكره. 2518 - (إن هذه القلوب أوعية) أي حافظة متدبرة لما يرد عليها (فخيرها أوعاها) أي أحفظها للخير (فإذا سألتم اللّه فاسألوه وأنتم واثقون بالإجابة) من اللّه تعالى (فإن اللّه تعالى لا يستجيب دعاء من دعا عن ظهر قلب غافل) أي لاه تارك للاهتمام وجمع الهمة للدعاء ولفظ الظهر مقحم ويحتمل أنه إشارة إلى أن الكلام فيمن لم ينشئ الدعاء من سويداء قلبه بالكلية فإن اللّه سبحانه جعل لخلقه حظوظاً مخزونة عنده في سر غيبه وهم فيها متفاوتون بحسب القسمة الأزلية فلو أبرزها لمدت الأمم أعينها إلى تلك الحظوظ وظهرت الخصومات واشتدت المعاداة وقالوا نحن عبيدك من طينة واحدة فأسر تلك الحظوظ في غيبه وألقاها إلى الدعاء تخييلاً أنهم إنما نالوها به ذكره الحكيم والدعاء بلا واسطة من خصوصيات هذه الأمة إذ قوله - (طب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه بشر بن ميمون الواسطي مجمع على ضعفه. 2519 - (إن يوم الجمعة يوم عيد وذكر) للّه عز وجل وذلك لأنه سبحانه وتعالى خص أيام تخليق العالم بستة أيام وكسا [ص 549] كل يوم منها اسماً يخصه وخص كل يوم منها بصنف من الخليقة أوجده فيه وجعل يوم إكمال الخلق مجمعاً وعيد للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والتفرغ من أشغال الدنيا لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم وما يكون من المعاد (فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيام) أي لا تخصوه بذلك من بين الأيام (ولكن اجعلوه يوم فطر) وذكر للّه تعالى (إلا أن تخلطوه بأيام) بأن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده فإنه لا كراهة في صومه حينئذ فإفراد الجمعة بصوم نفل مكروه تنزيهاً ولو حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث لهذا الخبر وإن كان العرف لا يقتضيه كذا في شرح أحكام عبد الحق واحتج بهذا الحديث بعض الحنابلة إلى ما ذهب إليه جمع من السلف ونقل عن أحمد أن من صلى قبل الزوال أجزأته لأنه لما سماه عيداً جازت الصلاة فيه في وقت العيد كالفطر والأضحى ومنع بأنه لا يلزم من تسميته عيداً اشتماله على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقاً سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاق.
|